20- هل الله واحد أم ثلاثة ؟
سأتناول في البحث موضوعاً ليس من السهل الخوض فيه لأنه يتناول أعظم شخصية في السماء وعلى الأرض، شخصية الله الذي له كل المجد والجلال. ولا يسعني منذ الآن إلا أن أعترف بعجزي وتقصيري ومحدوديتي، لا بل أني أسمع صوتاً يجلجل في أعماقي قائلاً: “اخلع نعلك من رجليك لأن الأرض التي أنت واقف عليها هي أرض مقدسة”.
سأتناول الموضوع بكل مهابة وخشوع ووقار. وإني أصلي إليه تعالى طالباً الحكمة والقوة والعون كي أعالج هذا الموضوع بتجرد ومحبة وإيمان بحيث تتّضح الحقيقة لمن يرغب في معرفتها، وتزول الغشاوة عن العيون، وتتحول الظلمة إلى نور. فالذي قال أن يشرق نور من ظلمة في بدء الخليقة قادر أن يشرق بنوره في قلوب الكثيرين. وإني آمل أن لا يتسرع أحد في الحكم على هذا الكتيب قبل الانتهاء من قراءته، وإلا فانه سيقع في فخ الاستنتاجات المغلوطة النابعة من عدم التجرد والموضوعية.
السؤال المطروح أمامنا هو: هل الله واحد أم ثلاثة؟
شغل هذا السؤال أكبر الأدمغة في عالم اللاهوت والفلسفة والفكر. ولعلك يا قارئي العزيز واحد ممن أدلوا دلوهم بين الدلاء، ولكن النتيجة واحدة. فالعقل البشري أعجز من أن يسبر الأغوار أو يستكشف الأسرار المتعلقة بالذات الإلهية دون إعلان أو كشف مسبق منه تعالى. يقول المزمور 19: “السموات تحدّث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه”. فلو لم يعلن الله بعض جوانب طبيعته في الطبيعة المحيطة بنا لما توصّل العقل إلى ما توصّل إليه. فإن أمور الله غير المنظورة – أي قدرته السرمدية ولاهوته، تُرى منذ خلق العالم مدرَكَةً بالمصنوعات، كما يقول الرسول بولس في رسالته إلى رومية. ولو لم يعلن عن ذاته في التاريخ والضمير والكتاب المقدس لما قدر العقل أن يفعل الكثير. فالفضل في الموضوع كله هو لله. فالله يبدأ بالإعلان لكي يحرك فينا العقل والإيمان. والإيمان أسمى من العقل لأنه يرى ما لا يُرى في حين أن العقل يتناول المنظورات والمحسوسات. الإيمان ليس ضد العقل بل ضد العيان. الإيمان والعقل يسيران في اتجاه واحد ولكن الأول أعظم وأعلى من الثاني. ولهذا يقول الكتاب المقدس “بدون إيمان لا يمكن إرضاء الله”. فمن يتوسل العقل وحده دون الإعلان أو من يقبل بعض إعلانات الله دون بعضها الآخر، فإنه ينتهي بواحد من ثلاثة: إما الإنكار والاستنكار أو التساؤل والاستفسار.
وجدير بالانتباه أن المعلنات الإلهية – مهما تنوعت وتعددت – ليس فيها أي تناقض على الإطلاق بل هي منسجمة بعضها مع بعض وتكمل بعضها بعضاً. فما أعلنه الله في الطبيعة ينسجم كلياً مع ما أعلنه في الضمير، وما أعلنه في الضمير لا يخالف ما أعلنه في التاريخ، وما أعلنه في التاريخ يوافق معلناته في الكتاب المقدس مع العلم أن نور الإعلانات الإلهية هذه كان يزداد تدريجياً إلى أن بلغ ذروته في المسيح !
وأول شيء من هذه المعلنات هو أن الله واحد ولا آخر سواه. صحيح أن هناك كائنات روحية خارقة يسميها الكتاب المقدس “أرواحاً خادمة” كرؤساء الملائكة والكروبيم والسرافيم والملائكة – هذا إذا لم نذكر الكائنات الروحية الشريرة بزعامة إبليس، ولكن هذه كلها كائنات مخلوقة ومحدودة، أما الله فهو الخالق غير المحدود وقد أطلق عليه الفلاسفة أسماء عدة ومن أهمها اسم “الواحد”. وهذه الوحدانية مؤكد عليها في التوارة والإنجيل والقرآن. فاليهودية والمسيحية والإسلام هي ديانات توحيدية لأنها تعتقد بإله واحد.
ظن الكثيرون خطأ أن المسيحيين يؤمنون بثلاثة آلهة. وقد بلغ بعضهم حد القول بوقاحة أن الله متزوج وله ولد ثم تنادوا للدفاع والمحاماة عن الله، الأمر الذي إن دل على شيء فانه يدل على جهلٍ ما بعده جهل.
أيها القراء الأحبّاء – ليكن معلوماً عندكم أن المسيحية هي ديانة توحيدية بالرغم من كل محاولات التشويش والتشويه من جانب المادية واللاأدرية والتعددية والحلولية والبدع الشيطانية والاستنتاجات الكيفية التي لا قبل لها بتغيير الحقيقة. فالمادية تنكر وجود الله وتقول أن الكون يفسر نفسه بنفسه. واللا أدرية تزعم بأن الله لا يمكن معرفته، وقد آثرت الوقوف على الحياد قائلة “لست أدري”. والتعددية لا تؤمن بإله واحد بل بعشرات ومئات الآلهة. وهذا بارز في الأوساط الوثنية ماضياً وحاضراً. والحلولية تعتبر الله والكون شيئاً واحداً. فالله هو الكون والكون هو الله. وبقولها هذا تنفي الحلولية، لا وحدانية الله فقط بل أيضاً شخصيته وطبيعته ومقاييسه. أما الكتاب المقدس فيقول أن الله واحد، وهذا ما سنأتي على تفصيله في الفصل القادم إن شاء الرب.
سؤال: هل الإيمان بوحدانية الله ضروري؟
نعم وبكل تأكيد. يقول يعقوب في رسالته المعروفة باسمه “أنت تؤمن أن الله واحد. حسنا تفعل”. أي أنه يمتدح المؤمنين بوحدانية الله.
سؤال آخر: هل الإيمان بوحدانية الله كاف للخلاص ودخول السماء؟
كلا. فإن يعقوب الذي امتدح الإيمان بوحدانية الخالق، يتابع قائلاً “والشياطين أيضاً يؤمنون ويقشعرون”. فحتى الشيطان يعتقد بالله الواحد ويخاف منه ولكن إيمانه لا يخلّصه. لماذا؟ لأنه إيمان ناقص. فالإيمان بدون توبة لا يجدي نفعاً. والشيطان لا يقدر أن يتوب.
قال المسيح لسامعيه في إنجيل لوقا: “إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون”. فالإيمان بالله الواحد أمر ضروري وجوهري ولكن إن لم يقترن بتوبة قلبية عمودية فانه لا يختلف عن إيمان الشياطين. هكذا كان إيمان الإغريق والرومان الذين قال عنهم بولس الرسول أنهم “لما عرفوا الله (وآمنوا بوجوده ووحدانيته من خلال الطبيعة) لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء”. وما أكثر أمثال هؤلاء في أيامنا!
ياليتنا نقول مع المرنم:
تبت إليك راجعاً بالقول والفعل
فاقبلني ربي سامعاً نداي واغفر لي
الفصل الثاني: معنى الوحدانية
السؤال المطروح علينا هو: هل الله واحد أم ثلاثة؟ ومما قلناه في الفصل السابق هو أن الجواب ليس متوقفاً على المنطق والعقل بل بالحري على الإعلان والإيمان. فما يستطيعه الإيمان لا يستطيعه العقل، لأن الأول أسمى من الثاني. فالعقل يقول أن الله موجود، أما الإيمان فيقدم له السجود. العقل يتعرض للشك أما الإيمان فهو ضد الشك. العقل محدود أما الإيمان فيعمل المستحيلات، ولهذا قال المسيح: “إن كنت تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن”. العقل كالشمعة أما الإيمان فهو كالشمس في رابعة النهار. وبالرغم من هذه الفوارق فإنهما يسيران في اتجاه واحد ويتفقان على جواب واحد وهو: أن الله واحد ولا آخر سواه.
نعم الله واحد، ونحن نتمسك بهذه العقيدة بقوة، بالرغم مما يشاع عنا، بحسن نية أو بسوء نية. فالأنبياء والرسل والمسيح نفسه أكدوا على هذه الحقيقة في كلمة الله. وكلمة الله صخر لا يتزعزع. “السماء والأرض تزولان ولكن كلام الله لا يزول”.
إليكم الآن بعض البراهين من كتاب الله على وجود إله واحد. يقول موسى الكليم الحليم في الإصحاح 6 من سفر التثنية: “اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد”. وفي الإصحاح 20 من سفر الخروج يقول الله في الوصية الأولى من الوصايا العشر “أنا الرب إلهك …. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي”. وفي الإصحاح 45 من سفر إشعياء النبي تقع عيوننا ست مرات على قول الله “أنا الرب وليس آخر. لا إله سواي”.
والحقيقة ذاتها نجدها في العهد الجديد. ففي الإصحاح 12 من إنجيل مرقس نقرأ أن أحد الكتبة المتمسكين بالناموس سأل يسوع: “أية وصية هي أول الكل؟” فأجابه يسوع “أن أول كل الوصايا هي: اسمع يا اسرائيل. الرب إلهنا رب واحد”. ثم تابع يقول: “وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك ومن كل قدرتك”.
وفي الموضوع نفسه يتكلم الرسول بولس في الإصحاح 4 من رسالته إلى أفسس فيقول: “رب واحد. إيمان واحد. معمودية واحدة. إله وآب واحد”. وفي رسالته الأولى إلى تيموثاوس يصرّح الرسول نفسه قائلاً: “يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس…” وقد أشار يعقوب على العقيدة نفسها لما قال في الإصحاح 4 من رسالته المعروفة باسمه “واحدٌ هو واضعُ الناموس”.بالإضافة إلى هذا عبَّر المؤمنون بالإله الواحد، على مر التاريخ، عن عقيدتهم هذه بقولهم “نؤمن بإله واحد آب ضابط الكل خالق السموات والارض..”.
السؤال الهام الآن هو: ما هي هذه الوحدانية وكيف نفهمها على ضوء الوحي المقدس؟
إن كنا نحاول تفسير وحدانية الله تفسيراً حرفياً مطلقاً كما يفعل بعض العقلانيين، فإن مفهومنا لشخصية الله والمسيح والكتاب المقدس يصير مستحيلاً. فالكتاب المقدس يمسي كتابا مملوءاً بالمتناقضات، ويصير المسيح مجرد إنسان ذي نزعة دينية.
إذاً كيف نفسر الوحدانية وكيف يجب أن نفهمها؟
إن كنا نؤمن بصدق الله وكلمته فما علينا إلا أن نعود “إلى الشريعة وإلى الشهادة”. فمن الأناجيل نفهم أن المسيحيين الأوائل كانوا من اليهود المتمسكين بإيمانهم بوحدانية الله، ولما تعرفوا إلى المسيح لم يتخلوا عن عقيدتهم هذه ولكنهم فهموها بطريقة جديدة من تصريحات المسيح عن نفسه وعن الروح القدس. بكلمة أخرى فهموا أن هناك تعدداً داخل الوحدانية. فهموا أن الله ذو جوهر واحد غير متجزء وفي الوقت نفسه ثالوث أو ثلاثة أقانيم.
لعلك تقول “هذا القول كفر وغير معقول”. ولكن رويدك. فمن قال لك أننا نتكلم على مستوى العقل والمعقول؟ فالعقل البشري يلجأ عادة إلى الحساب والأرقام فيقول: واحد + واحد + واحد = ثلاثة، وحاشا أن يكون هناك ثلاثة آلهة، وهكذا يسرع إلى الإنكار أو إلى الاستنكار.
هذه هي الغلطة التي وقع فيها العبران قديماً. فلما قرأوا قول موسى في التوراة “اسمع يا اسرائيل. الرب إلهنا رب واحد” رفضوا فكرة الثالوث كلياً ولم يعلموا أن لفظة “واحد” في الكتاب المقدس إنما تشير إلى الاتحاد أو الوحدة بين كينونات عدة. مثال على هذا ما ورد في الإصحاح الأول من سفر التكوين حيث يقول موسى: “وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً” مشيراً بذلك إلى اليوم المكون من مساء وصباح.
مثل آخر نجده في الإصحاح الثاني من السفر نفسه حيث نقع على الآية القائلة “لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً” إشارة إلى الاتحاد التام بين كيانين مستقلين. فالمرأة كانت واحداً مع الرجل لأنها كانت ضلعاً من أضلاعه، وهي لا تزال واحداً مع رجلها في نظر الله، وقس على ذلك. هذه الحقائق أعلى من العقل. ومع ذلك فإني أنصحك أن تقبلها بثقة وفرح لأن الله لا يخدعنا. من جهة أخرى إن كنت تحاول أن تُخضعَ الله لمفاهيمك البشرية فإنك تحاول المستحيل لأنك محدود والله غير محدود. ليعطك الرب فهماً في كل شيء، وعسى أن تقبل الإعلان بالإيمان.
الفصل الثالث: التعدد في الوحدانية
على ضوء كلمة الله، آمل أن نكون قد فهمنا أن الله واحد وأن وحدانيته ليست حرفية جامدة بل حية متفاعلة. فإن لفظة “واحد” تشير إلى الوحدة أو الاتحاد بين كينونات عدة، ولو أن المنطق البشري ينفر من الفكرة – فكرة التعدد في الوحدانية. فقد أعلن الله عن ذاته بهذه الطريقة وقدمها لنا لا للتصويت عليها بل لقبولها بالإيمان. أن نقبل أو ألا نقبل: تلك هي المسألة. وفي كلتا الحالتين نحن مسؤولون عن موقفنا.
لم ترد لفظة ثالوث في الكتاب المقدس ولكنّ سر الثالوث واضح جلي لكل ذي بصيرة روحية. غير أن هذا لا يعني أن عقيدة التثليث سهلة الفهم. فهي فوق العقل لأن الله فوق العقل.
يُقال أن أغسطينوس كان منهمكاً بهذا الموضوع إذ كان يتمشى ذات يوم عند شاطيء البحر. فحانت منه التفاتة إلى غلام صغير يحفر حفرة في الرمل. ولما سأله أغسطينوس عن غرضه من تلك الحفرة أجاب: ” أريد أن أضع البحر في هذه الحفرة”. فقال أغسطينوس في نفسه: “هذا هو عين ما أفعله الآن. إني أحاول أن أضع الله اللا محدود في حفرة عقلي المحدود”.
نعم مَنْ مِنّا يقدر أن يفهم الله وطبيعته بعقله المحدود؟ هناك أسرار أقل شأناً لا قبل لنا بفهمها. فمن منا يقدر أن يدرك معنى الحياة والوعي والنوم؟ إن كنّا لا نفهم من هذه إلا اليسير فكيف نفهم الاعتقاد القائل بإله واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد؟
لا غرابة إذا عثر مؤلهو العقل بعقيدة التثليث كما عثروا بعقيدة الصليب. يقول الرسول بولس: “نحن نكرز بالمسيح يسوع مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة”. ويصدق الشيء عينه على عقيدة الثالوث ولكن المسيح قال: “طوبى لمن لا يعثر فيّ”.اقترح أحدهم مرةً دمجَ الديانتين المسيحية والإسلامية في ديانة واحدة، ولكنه اشترط أن يتخلى المسيحيون عن الاعتقاد بالثالوث والصليب وصحة الكتاب المقدس، وقد فاته أن حسن النية لا يكفي ولا يفي، وأن الأمر ليس عائدا للمسيحيين بل لله الذي كشف لنا سر الثالوث وأعلن لنا عن ذاته إلهاً واحداً مثلث الأقانيم. وما دام الله قد قال كلمته فمن نحن حتى نبدّل أو نعدّل أو نحذف أو نضيف؟
إن فكرة التعدد في الوحدانية ليست غريبة عن كتاب الله أو عن خليقة الله. فالإنسان نفسه واحد وثالوث في آن معاً. فهو مكون من نفس وروح وجسد. ولهذا يقال عن الأموات أنهم “أحياء عند ربهم” في حين أن الجثمان يحمل إلى المقبرة. والماء أيضا هو واحد وثالوث، لأنه مكون من جزيئين من الهيدروجين وجزيء من الأكسجين. والهواء ثالوث: أكسجين وهيدروجين ونيتروجين. والذرة الواحدة مؤلفة من بروتون ونيوترون وإلكترون. والمادة مكونة من جامد وسائل وغاز. والزمن مقسم إلى ماض وحاضر ومستقبل. والعائلة مؤلفة من الأب والأم والأولاد.
نذكر هذه الإيضاحات كلها مع العلم أنها نسبية ومحدودة. لأن الله لا يمكن تشبيهه بشيء. في الوقت نفسه تؤكد لنا هذه الإيضاحات شيئاً واحداً هاماً وهو: إمكانية التعدد في الوحدانية، وبالتالي إمكانية الاعتقاد بإله واحد في ثلاثة أقانيم.
زعم بعضهم أن التثليث جاء أصلاً من الوثنية، ولكن هذا خطأ. صحيح أن الوثنية كانت لديها فكرة شبيهة بفكرة التثليث إلا أن مفهومها لها لم يكن المفهوم المسيحي نفسه. وحتى لو افترضنا أن الوثنية كانت تؤمن بالتثليث على الطريقة المسيحية فإن ذلك لا يقلل من شأن العقيدة بل بالحري يؤكد لنا أن الله أعلن سره هذا للوثنيين بطريقته الخاصة. نقول هذا ونحن واثقون من أن أوجه الخلاف بين المفهومين أكثر من أوجه الشبه.
وزعم آخرون أن التثليث لا يعني وجود ثلاثة أقانيم مميزة في اللاهوت، ومن بينهم سباليوس الذي ظهر في القرن الثالث الميلادي وقال “أن الآب والابن والروح القدس هم مجرد ثلاث تسميات لثلاثة مظاهر مؤقتة لله، وذلك بقصد إتمام الفداء للبشر”. وفي القرن الرابع ظهر انحراف آخر عن عقيدة الكتاب المقدس بزعامة آريوس قائد من يزعمون أنهم شهود يهوه، في جوانب للإله الواحد. آمن آريوس بوجود إله واحد وأنكر الثالوث. وانتهى به الأمر إلى تقسيم جوهر الله، فصار الابن والروح القدس كائنين مخلوقين للتوسط بين الله والناس. وهكذا حول آريوس المسيح إلى إله صغير مخلوق مجرِّداً إياه من بنوّته الأزلية، ولو أنه قال أن المسيح خلق العالمين.
أما تلاميذ آريوس فقالوا أن المسيح خلق الروح القدس، وبذلك صار الله في المرتبة الأولى، والمسيح في الثانية، والروح القدس في الثالثة. وهذه الانحرافات أمر لابد منه لأنه عندما يرفض المرء إعلانات الله فإنه يصير عبداً لأفكاره واستنتاجاته الباطلة.
ولكن هذا لا يغير من الحقيقة شيئاً. فالله هو هو وليقل الناس ما شاؤوا. وكم يذكّرني هذا بما ورد في المزمور الثاني حيث يقول داود: “لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب في الباطل؟” وبعد ذلك يقول: “الساكن في السموات يضحك. الرب يستهزئ بهم”. فالله يستخف بمحاولات الناس لأنها سقيمة وعقيمة وبلا قيمة.
أخي، هل أنت ممن يرضخون إلى ما يمليه المنطق البشري المتأثر بالخطية، أم أنك تصدق الله وتقبل بالإيمان ما كشفه لنا في كتابه المعصوم؟ ليت الرب يفتح قلبك وبصيرتك لتقبل الحق.
الفصل الرابع: براهين على التعدد في الوحدانية
قلتُ لغاية الآن أن الكتاب المقدس في عهديه يؤكد أن الله واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد. وهذا طبعاً لا يروق للمنطق والعقل لأنه فوق العقل وغير ناتج عن الاجتهاد العقلي. فالله كشف هذا السر للبشر بواسطة إعلاناته الإلهية وعلى رأسها الكلمة المكتوبة والكلمة المتجسد. ونحن البشر ليس لنا يد في الموضوع. كل ما في الأمر هو أننا أمام خيارين: إما قبول الإعلان بالإيمان أو عدم قبوله تحت طائلة المسؤولية. فالعقل وحده أعجز من أن يتجاوب مع الإعلانات الإلهية بمنأى عن الثقة في كلمة الله المقدسة. أما الإيمان فيفتح القلب وينير الذهن ويجلو البصيرة.
ذكرتُ أيضا أن الوحدانية والثالوث هما حجر عثرة للبعض وجهالة للبعض الآخر. والسبب في ذلك معبر عنه في قول الرسول بولس: “إن الإنسان الطبيعي (أي بطبيعته) لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة”. وهكذا يقع المرء فريسة للأفكار الباطلة والمحاولات السقيمة والعقيمة.
فالله واحد، وجوهره واحد، ولكنه ثالوث. والبراهين على ذلك كثيرة:
أولاً: أسماء الله. ففي اللغة العبرية، لغة العهد القديم، نقع على لفظتين لاسم الجلالة، واحد بالمفرد وهي “إيل” (أي الله) والأخرى في الجمع وهي “إيلوهيم” ( أي آلهة). وقد استعملت “إيلوهيم” 2500 مرة في حين أن (إيل) استعملت 250 مرة. مثال على هذا، الوصية الأولى في الوصايا العشر الوارد ذكرها في الإصحاح 20 من سفر الخروج حيث يقول الله: “أنا الرب إلهك (إيلوهيم)”. فقوله “أنا الرب” يشير بوضوح إلى أنه “واحد” أما قوله “إلهك” (إيلوهيم في صيغة الجمع) فيشير إلى التعدد في الوحدانية.
ثانياً: أقوال الله. إذا عدنا إلى الإصحاح الأول من سفر التكوين نجد الله يتكلم في صيغة الجمع والمفرد في آن واحد. ففي الآية 26 قال الله “نعمل الإنسان على صورتنا”… وفي الآية 27 نقرأ العبارة القائلة “خلق الله الإنسان على صورته”.
وعلى أثر سقوط الإنسان، في الإصحاح 3 من السفر نفسه نقرأ قول الله في الآية 22 “هوذا الإنسان قد صار كواحد منا”. وعندما يقول الله: “منا” فإلى من يشير يا ترى؟ أليس إلى التعدد في الوحدانية؟
في الإصحاح 6 من سفر إشعياء النبي نقرأ أن السيرافيم هتفت ثلاث مرات قائلة: “قدوس، قدوس، قدوس، رب الجنود” بعد ذلك يقول إشعياء ” سمعت صوت السيد قائلاً من أرسل؟ ومن يذهب من أجلنا؟” لاحظ أنه قال “من أرسل” في المفرد ثم “من أجلنا” في الجمع. ونجد هذه الحقيقة واضحة جداً في قصة برج بابل في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين حيث يقول الله: “هلم ننـزل ونبلبل لسانهم” وليس “هلم انزل…. الخ..” من جهة أخرى، لفظة “هلم” تشير إلى أن هناك متكلِّماً ومخاطَباً. فمن هو المخاطَب يا ترى؟
ثالثا: محبة الله. يقول الرسول يوحنا: “الله محبة”. حتى الإغريق فهموا أن الله محب، ولذلك استعملوا أربع لفظات للمحبة. الأولى تشير إلى المحبة الشهوانية، والثانية إلى المحبة العائلية، والثالثة إلى المودة البشرية، والرابعة إلى المحبة الإلهية وهي “أغابي” فالله ليس عطوفاً رحيماً فقط بل أيضا محب. والمحبة لها محبوب. فإن كان لا وجود للتعدد داخل الوحدانية فمن يكون المحبوب يا ترى؟ فإن قلنا أن الله يحب ذاته فإننا نرتكب خطأً فظيعاً لأن الله ليس أنانياً. وإن كان ليس أنانياً فمن هو موضوع محبته؟ فإذا قلنا أن الله يحب الإنسان أو العالم فمعنى ذلك أن الله غير مكتفٍ بذاته، وإن كان غير مكتف بذاته فهو إذاً غير كامل. وحاشا لله أن يكون ناقصاً. وفي هذه الحالة لا يبقى أمامنا إلا حلّ واحد وهو، كما قال المعمدان وبولس والمسيح، “أن الآب يحب الابن” وهذه إشارة إلى التعدد في الوحدانية.
رابعا: وعود الله. وأكتفي هنا بوعدين. الأول هو وعد الحياة الأبدية، والثاني هو وعد الروح القدس. في الإصحاح الأول من رسالة بولس إلى تيطس يتحدث الرسول في الآية 2 عن “الحياة الأبدية التي وعد بها الله في الأزلية”. فإن كنا نصدق كلمة الله فمن حقنا أن نسأل: إن كان الله هو الواعد فمن هو الموعود؟ وجواب هذا السؤال نجده في الإصحاح السابع عشر من إنجيل يوحنا. يقول المسيح للآب السماوي: “مجَّدْ ابنَك ليمجّدك ابنك أيضاً إذ أعطيتَه سلطاناً على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته”. فالواعد هو الآب، والموعود هو الابن، والوعد تم في الأزل، حيث لم يكن ملاك أو إنسان أو أكوان.
الوعد الثاني هو وعد الروح القدس الذي دعاه المسيح “موعد أبي” ودعاه بولس “روح الموعد القدوس”. وفي هذين القولين إشارة إلى ما قرره الله في الأزل عندما فكر بخلاص البشر. فقد وعد الآب ابنه بإرسال الروح القدس بعد الصليب والقيامة والصعود، وهكذا صار. فلما جاء يوم الخمسين كما هو مدون في الإصحاح الثاني من سفر أعمال الرسل، حل الروح القدس على التلاميذ كما لو أنه إعصار، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار وامتلأ الجميع من الروح القدس.
لعلك تقول “أنا لا أقدر أن أفهم سر الثالوث”. وأنا أجيبك: أنا مثلك. ولكني أقبله بالإيمان لأن الله صادق ومنـزه عن الكذب. فالمسألة بسيطة جداً. هل أنت تصدق الله أكثر من الناس أم بالعكس؟ إن كنتَ تصدق الله فمن اللازم أن تصدق كلامه ومعلناته في كتابه الكريم. وإن كنت تصدق البشر فمعنى ذلك أنك تريد أن تضع الحقائق الروحية في صف الحقائق العلمية والتحاليل الفلسفية، وهذا خطأ فادح وفاضح. يا ليتك تقتدي بالرسول بطرس الذي قال: “ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس”.
الفصل الخامس: من أين جاء الثالوث؟
هيا بنا الآن إلى الأدلة الكتابية على عقيدة التثليث القائلة بإله واحد مثلث الأقانيم: الآب والابن والروح القدس. وسأستهلّها بما ورد في فاتحة الكتاب المقدس. ففي الإصحاح الأول من سفر التكوين نقرأ في الآية الأولى العبارة القائلة: “في البدء خلق الله السموات والأرض”. وتقول الآية 2: “وروح الله يرف على وجه المياه”. وبعد ذلك نقرأ في الآية 3: “وقال الله ليكن نور فكان نور”. الآية الأولى تتحدث عن “الله” والثانية عن “روح الله” والثالثة عن “قول الله” أي كلمة الله. وهي تشير إلى العقيدة المسيحية القائلة بإله واحد في ثلاثة أقانيم.
أنتقلُ الآن إلى المزامير. ففي المزمور 33 تقع عيوننا على الآية 6 القائلة: “بكلمة الرب صنعت السموات. وبنسمة فيه كل جنودها”. وبهذا كان داود يشير، كما أشار موسى من قبل، إلى اشتراك الرب وكلمته ونسمة فمه في عملية الخلق. والشيء نفسه نجده واضحاً جلياً في نبوة إشعياء. ففي الإصحاح 48 يقول الله “أنا الأول وأنا الآخِرُ (وهذا لقب من ألقاب المسيح في العهد الجديد) ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات”. وفي الآية 16 يقول “منذ وجوده أنا هناك. والآن أرسلني السيد الرب وروحه”. من هنا نفهم أن الأقنوم الثاني هو المتكلم ولذلك يقول “أرسلني السيد الرب وروحه”. إن كان هذا ليس ثالوثاً، فكيف يكون الثالوث؟
نتحول إلى العهد الجديد. ففي الإصحاح الثالث من إنجيل متى نقرأ تفاصيل معمودية المسيح على يد يوحنا المعمدان. يقول البشير متى أنه “لما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. وإذا السموات قد انفتحت فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه، وصوتٌ من السماء قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت”. تصور المشهد في فكرك: الابن يعتمد في الماء والروح ينـزل كالورقاء والآب يشهد من السماء.
وما دمنا في جو المعمودية فلْنلْقِ نظرة على صيغة المعمودية الواردة في الإصحاح 28 من إنجيل متى. يقول الرب يسوع: “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس”. لاحظوا أنه لم يقل “عمّدوهم بأسماء الآب والابن والروح القدس”، بل “عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس”. ولفظة “اسم” هي في المفرد، مما يدل على أن الثالوث هو إله واحد.
يقول المسيح في الإصحاح 14 من إنجيل يوحنا “وأنا أطلب من الآب فيعطيكم مُعَزِّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه”. فالابن يطلب من الآب أن يرسل الروح القدس. وهل هناك كلام أوضح من هذا على صحة عقيدة التثليث؟
يخبرنا البشير لوقا في الإصحاح 1 من إنجيله، أنه لما بشر جبرائيلُ العذراءَ خاطبها قائلاً: “ها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمّينه يسوع”، قالت له: “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رَجُلاً؟” فأجاب جبرائيل (وأرجو الانتباه): “الروح القدس يحلّ عليك وقوة العلي تظللك. فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابنَ الله”. وبقوله هذا أتى جبرائيل على ذكر ثلاثة لهم علاقة بولادة المخلص: أولاً الروح القدس. ثانياً الله العلي وثالثاً القدوس المولود المدعو ابن الله.
الدليل الأخير في هذا الفصل نجده في ما نسميه “البَرَكة الرسولية”. والبركة الرسولية المثلثة تذكّرنا بالبركة “الهرونية” المثلثة في العهد القديم. ففي الإصحاح 6 من سفر العدد كلَّمَ الرب موسى، وموسى كلَّم أخاه هرون حتى يبارك الشعب بقوله “يباركك الرب ويحرسك. يضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك. يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلاماً”. لماذا تكررت البركة هذه ثلاث مرات؟ لنفس السبب الذي من أجله قال بولس في البركة الرسولية: “نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس تكون معكم”. بكلمة أخرى السبب هو أن الكتاب المقدس، من أوله إلى آخره، يعلِّم بالتثليث. فالآب والابن والروح القدس هم ثلاثة في جوهر واحد، وإله واحد لا ثلاثة آلهة.
إن كنتَ لا تزال في حيرة من أمرك فاطلب من الله أن يمنحك بصيرة لتعرف الحق. عندئذ فقط تفهم قول الرسول يوحنا عن اختبار “أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق”. بدون هذه البصيرة الروحية عبثاً تحاول أن تعرف الحق والحقيقة.
—————————–
[center]21-لماذا جاء المسيح؟
جاء المسيح لكي يخلصنا من آثامنا وخطايانا ومن العذاب الأبدي الذي جلبته علينا خطايانا. فنحن خطاة بالطبيعة والاختيار:”وكما هو مكتوب أنه ليس بار ولا واحد. الجميع زاغوا وفسدوا معاً. ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد.. لأنه لا فرق إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله”(رومية 10:3-23). ولا نستطيع أن نخلّص أنفسنا بأعمالنا أو بأموالنا لأن الخلاص هو نعمة مجانية من الله وعطية بلا ثمن:”لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد.. وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا”(أفسس 8:2و9، رومية 23:6). وبما أن الله قدوس وطاهر، ولا تقبل قداسته الخطية، جلبت خطايانا دينونة الله على كل منا وأصبحنا مستحقين للعذاب الأبدي:”لأن أجرة الخطية هي موت”(رومية 23:6). ونحن لا نستطيع أن نخلص أنفسنا بمجهودنا الذاتي الضائع ولا نستطيع أن نشتري الأبدية بحفنة من المال الفاني. فقداسة الله وبره وعدالته لا يمكن أن تُرتشى لا بحفنة من المال ولا ببعض الأعمال الحسنة مهما كثُرت عظمتها. فكيف نتوقع أن نفي عدالة الله المطلقة بحفنة مال ونرضيها ببعض الأعمال التي يصفها الكتاب المقدس كخرق بالية؟ لذلك تطلبت عدالة الله أقصى العقوبات التي أدت بالإنسان إلى جحيم النار. ولكن محبة الله لنا هي محبة فائقة، من أجل هذا، أرسل الله ابنه الوحيد القدوس الطاهر بديلاً عن الإنسان لكي يفي بمتطلبات العدالة الإلهية التي لا تتقبل إلا أقصى العقوبات. ولأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة الخطية. فقد طلب الله من الإنسان أن يقدم الذبائح ككفارة عن خطاياه. ولكن كل تلك الذبائح ما كانت لتحمل أي معنى أو أي تأثير لو لم تكن رمزاً للدم الثمين الذي سفكه الرب يسوع المسيح على خشبة الصليب فوق جبل الجلجثة:”تلك الذبائح عينها التي لا تستطيع البتة أن تنـزع الخطية.. وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبدياً”(عبرانيين 12:9 و11:10). وما”الذبح العظيم”الذي يذكره القرآن في سورة الصافات 107 نقلا عن التوراة – إذ يقتبس قصة إبراهيم عندما كان مزمعاًأن يقدم ابنه ذبيحة على جبل المريا فمنعه الله وقدم له كبشاً كي يفتدي به ابنه – إلاّ رمزاً لعمل المسيح الكفاري على جبل الجلجثة. وهنا نجد أن القرآن أسماه”الذبح العظيم”لأن ذلك الكبش لم يكن كبشاً عادياً كبقية الكباش التي كانت تقدم يومياً للكفارة. بل كان كبشاً فريداً، كان عطية السماء لإبراهيم ليكفر عن ابنه الذي كان تحت حتمية الموت. كما أن الله أراد أن يعلمنا أن ما حدث على جبل المريا (الذي هو جبل الجلجثة) لم يكن إلا رمزاً: أولاً، لحالة الإنسان وخطاياه التي جلبت عليه حكم موت أبدي محتوم في نار جهنم. وثانياً، لمحبة الله إذ أرسل عطية السماء – الرب يسوع المسيح – الذي هو”حمل الله الذي يرفع خطية العالم”(يوحنا 29:1). وقد مات المسيح على نفس البقعة التي قدم فيها إبراهيم الكبش فداء لابنه الذي هو رمز لموت المسيح لفداء بني البشر ولمغفرة خطايا كل من يؤمن به:”وإنما حيث تكون مغفرة لهذه لا يكون بعد قربان عن الخطية”(عبرانيين 18:10). إذاً،”الذبح العظيم”لم يكن إلا رمزاً للذبح العظيم الفعلي الذي قدمه الرب يسوع المسيح بدم نفسه لفداء الإنسان ومبطلاً كل الذبائح إذ لم تبقَ حاجة بعد لأي منها:”فإن المسيح أيضاً تألم من أجل الأثمة… لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”(1بطرس 18:3 ويوحنا 16:3). ولأن المسيح هو كلمة الله، لذلك لم يستطع الموت أن يمسكه ويبقيه في القبر، وهكذا قام في اليوم الثالث من بين الأموات بمجد عظيم ليؤكد دعواه ويثبت رسالته.
—————————–
22-هل المسيح هو الله؟
تعجز الألسنة عن التعبير والأخيلة عن التصوير والعقول عن الفهم والتنظير في ماهية ووجود الله وقدرته. لأن الإنسان عندما يتوصل إلى معرفة أسرار الله السماوية العظيمة سيصبح هو الله نفسه، صورة وروحاً ومضموناً، وهذا مستحيل لأن عقولنا محدودة والله غير محدود… ويخبرنا تاريخ الحضارة أن الملك كريسبس اليوناني كان قد طلب من أحد الفلاسفة الكبار أن يحدد له من هو الله. ووقع الفيلسوف الكبير في قلق و حيرة، ثم طلب من الملك أن يمهله عدة أيام لعله يقف على شاطئ الحقيقة والمعرفة، لكنه خاب وأخفق في تفكيره وتأمله، وعاد إلى الملك ليقول له: المعذرة يا سيدي…! لأنني كلما فكرت وتعمقت في بحثي عن سر وجود الله وجدت نفسي عاجزاً وقاصراً.
الحقيقة الأولى: بعض الأسباب التي تبرهن ضعف الإنسان وعجزه:
1- كيف يقدر المحدود أن يدرك الغير محدود؟ (وعاء ماء يسع 5 لتر مثلاً هو محدود ضمن الـ 5 لتر، ولكن نهراً جارياً من المياه هو غير محدود بالنسبة لوعاء الـ 5 لتر).
هل من المنطقي أن يقول الوعاء أنا لا أؤمن بوجود النهر لأنني لا أستوعبه،مع أن معنى وجود الوعاء يعود إلى النهر الذي يملأه بالمياه،ولولا وجود النهر والمياه لما كان هناك أي حاجة لوجود وعاء للمياه، احكم بنفسك.
2- كيف يقدر المخلوق أن يفهم قدرة خالقه الأعظم؟ وكيف يستطيع الخاطئ الساقط أن يعرف سموه القدوس….؟
الحقيقة الثانية أن إيماني بالله مبني على أساس كلمته المقدسة الصادقة:
إن كلمة الله هي الله نفسه، وإيماني راسخ وطيد لأنه يعتمد على صخرة سماوية جبارة متينة.
وإليك بعض الأسباب التي تؤكد إيماني و تدعم يقيني به وبكلمته السامية الجليلة.
فالعهد القديم موجود منذ أكثر من ستة آلاف سنة، والعهد الجديد منذ حوالي ألفي سنة لم يتغيرا، وقد تُرجما إلى معظم لغات العالم في جميع الأقطار والأزمنة والعصور.
فلقد قال سبحانه وتعالى “السماء والأرض تزولان و لكن كلامي لا يزول”. (الإنجيل بحسب متى 24: 35) كما قال أيضاً: “إن كان أحد يزيد على هذا الكتاب يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب، وإن كان أحد يحذف من أقوال هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة”. (رؤيا يوحنا 22: 18و19).
ومع تصديقي لكلمة الله الأزلية الأبدية، أؤمن بالبراهين المنطقية التالية على أن المسيح هو كلمة الله المترجم لحقيقته والكاشف عن صورته، ومن دونه لا نستطع أن نرى الله.
(حاول أن تنظر إلى الشمس بالعين المجردة فلن تستطع، ضع نظارات خاصة لمراقبة الشمس فتراها جيداً، لأن عينيك محدودتان في قدرتهما على الرؤية وهما بحاجة إلى وسيط بينهما وبين الشمس وإلا احترقتا).
ويساعدنا التشبيه السابق في فهم العلاقة مع الله والمسيح، فالمسيح هو الوسيط الذي من خلاله نستطيع أن نرى ونعرف الله.
أولاً:
إن البرهان الأول على أن المسيح هو كلمة الله ومن خلاله يمكن أن أرى الله، لأنه “ولد من روح الله”(الإنجيل بحسب متى 1: 20). وكلمة “ولد” بمعنى خرج.
وروح الله هو الله ذاته. لقد كانت ولادة السيد المسيح عجيبة خارقة وبترتيب أزلي قديم من الله. ولقد تمت كل النبوات في أسفار العهد القديم وتوثقت حَرْفياً في العهد الجديد عن ولادة المسيح كما توضح الأدلة التالية:
- سفر ميخا 2: 5 (735 سنة قبل الميلاد) عن مكان ولادة المسيح والتي تمت حَرْفياً في (الإنجيل حسب متى2: 1و4، ولوقا 2: 4 و 15).
- النبي إشعياء (7: 14 قبل الميلاد) تنبأ عن ولادته من فتاة عذراء والتي تمت حَرْفياً (الإنجيل حسب لوقا 1: 34- 45).
- النبي دانيال 9: 25 (قبل الميلاد) تنبأ عن وقت ولادته وقد تمت حَرْفياً في (لوقا 2: 1 و 2).
- النبي إشعياء 9: 6 (قبل الميلاد) تنبأ عن اسم المسيح المخلص. وورد هذا أيضاً في (متى 1: 20 و 21) – والنبي داود في المزمور الثاني: 7 (قبل الميلاد)، تحدث عن اسمه ابن الله. وقد تمت هذه النبوة القديمة في (متى 3: 17) و (لوقا1: 35). وقد ورد في سفر النبي إشعياء (7: 14) اسم المولود من عذراء الذي يدعى عمانوئيل وتفسيره “الله معنا” وتمت هذه الآية في (متى 1: 23).
- النبي ميخا 5: 2 (قبل الميلاد)، تحدث عن وجوده الأزلي. وقد تم حَرْفياً في (يوحنا 1: 1 و 2).
والخلاصة، هي أن ولادة السيد المسيح العجيبة قد حدثت بإرادة إلهية وبترتيب أزلي سابق من قبل الله تعالى. وبما أن المسيح مولود من روح الله القدوس فهو إذا الله نفسه لأن روح الله لا ينقسم ولا يتوزع أجزاء عديدة.
ثانياً:
البرهان الثاني، لأنه الفريد الوحيد الذي دُعي كلمة الله وإن كلمة الله هي ذات الله. إن معنى “كلمة الله” تعني باللغة اليونانية (لوغوس) وكانت تطلق فقط على صفات الله ولاهوته وإعلانه عن نفسه. وهنا يجدر بنا أن نستشهد بآيات من الإنجيل المقدس تؤكد صحة برهاني وإيماني: قال في (الإنجيل حسب يوحنا 1: 1 و 14): “في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله …، الكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمةً وحقاً”. وفي (سفر الرؤيا 19: 13): “ويدعى اسمه كلمة الله”.
لاحظْ جيداً أن ولادة المسيح لم تكن إلا بدء حياته البشرية (أي طبيعة الإنسان) وأما طبيعته الإلهية فهي قديمة منذ الأزل وقبل تكوين الخليقة. وإن روح الله القدوس مرََّ مروراً في بطن العذراء مريم فأخذ يسوع جسد الإنسان مثلنا ولكنه بلا دنس وبلا خطية “وحل بيننا” وذلك لكي يقدم الفداء عن خطايا الجنس البشري. وقد قال المسيح نفسه مؤكداً وجوده قبل الخليقة كلها (الإنجيل بحسب يوحنا 8: 58) “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”. وكما قال أيضاً عن نفسه في (سفر الرؤيا 1:
“أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء”. فالمسيح إذاً كلمة الله المتجسد بشراً، وقد حمل في شخصه طبيعتين مترابطتين (طبيعة اللاهوت الأزلية، وطبيعة الناسوت) أي الإنسانية المقدسة.
ثالثاً:
البرهان الثالث، لأن حياته العظيمة المثالية تفوق حياة البشر.وفيما يلي الأدلة على ذلك:
1- حياته العجيبة: فلقد ولد المسيح بأعجوبة ومات بأعجوبة وقام من بين الأموات بأعجوبة وصعد بأعجوبة أيضاً إلى السماء كما ورد في العهد الجديد.
2- أعماله العجيبة: فمن يخالف النواميس الطبيعة إلا الذي خلقها؟ سار يسوع على وجه الماء كما ورد ذلك في (الإنجيل حسب متى 14: 25). وقد أسكت البحر الصاخب الغاضب كما ذكر في (متى 8: 23-27). وأقام الموتى من القبور كما في (الإنجيل حسب يوحنا 11: 38-47). وسيطرته وقوته على الأرواح الشريرة وعلى الشيطان الرجيم كما ورد في (الإنجيل حسب مرقس 1: 26) و (متى 4: 1-11).
3- أقواله العجيبة: وقد عبر عن أقوال السيد المسيح أحد الكتاب قائلاً: “إنها فريدة في سموها، وعجيبة في قوتها، جريئة في سلطانها، عميقة في تأثيرها، فائقة في محبتها”. وهذه نماذج من كلماته الرائعة السامية: “الكلام الذي أكلمكم به هو حياة”. وموعظته العميقة الدقيقة على الجبل كما وردت في (الإنجيل بحسب متى، الإصحاح الخامس كله) تلك الموعظة التي غيرت مفاهيم الحياة وقلبت المقاييس الفلسفية البشرية. كقوله: “أحبوا أعداءكم أحسنوا إلى مبغضيكم…” وهناك أمثاله الفريدة عن المحبة والعطاء والإيمان في قصة السامري الصالح، والابن الضال، ومثل الزارع والحنطة… الخ.
4- شهادة الملايين عبر التاريخ منذ القديم وحتى عصرنا الحاضر، وأولئك الذين تغيرت حياتهم بعد أن سمعوا صوت المسيح السماوي وآمنوا به مخلصاً فادياً وراعياً أميناً صالحاً.
والخلاصة: إن حياته المجيدة المباركة في ولادته وسلوكه وموته وقيامته وصعوده، هذه كلها لا تنطبق على حياة إنسان آدمي عادي، لأنها من طبيعة الله وحده. فالمسيح إذا هو صورة الله في هيئة إنسان.
رابعاً:
البرهان الرابع على أن المسيح هو الله لأنه بعيد ومنـزه عن الخطأ البشري. إن السيد المسيح هو الشخص الفريد بين البشر من حيث قداسته وتواضعه وكمال سيرته وأخلاقه ومحبته… ومن هو المنـزه عن الخطأ غير الله سبحانه وتعالى؟.. وإليك ما قاله السيد المسيح عن نفسه متحدياً الناس في (الإنجيل بحسب يوحنا 8: 46) “من منكم يبكتني على خطية؟” وفي آية أخرى في الإصحاح الثامن نفسه (8: 23) يقول: “أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم”. ثم ما قاله الأعداء أنفسهم عنه علناً كما ورد عن الحاكم الروماني بيلاطس حينما قال أثناء محاكمة المسيح “أنا لست أجد فيه علة واحدة” (الإنجيل بحسب يوحنا 18: 38) وكذلك ما قاله يهوذا الإسخريوطي أحد تلاميذ المسيح بعد أن خدعه وباعه بثلاثين قطعة من الفضة وأسلمه لليهود حتى قتلوه وقد ورد هذا في (الإنجيل بحسب متى 27: 4) “قد أخطأت إذ سلمت دما بريئاً …” وما قاله تلاميذه المرسلون ومنهم بطرس في رسالته الأولى (2: 22) “الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر”. وما قاله تلميذه يوحنا في رسالته الأولى 2: 1و29 “يسوع المسيح البار”. وكذلك قال الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين (7: 26) “قدوس بلا شر ولا دنس، وصار أعلى من السموات”. وما ذكر في (الإنجيل بحسب لوقا 4: 41) عن الشيطان – مصدر الشر – “وكانت الشياطين أيضاً تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول: أنت المسيح ابن الله”. وقد قال الروح النجس الشرير الموجود في إنسان “أنا أعرف من أنت قدوس الله” (الإنجيل بحسب مرقس 1: 24).
والخلاصة: بما أن جميع البشر خطاة، والرسل والأنبياء جميعا أخطأوا وإن الله وحده هو المعصوم عن السقوط والخطيئة والمنـزه عن الإثم، والمسيح هو الذي لم يخطئ أبداً، لذا فإننا نقول: أن المسيح هو ذات الله نفسه في شكل إنسان.
خامساً:
البرهان الخامس على أن المسيح هو مِن ذات الله لأنه هو الوحيد الذي كان يغفر الخطايا والذنوب للخطاة. ترى من يغفر الخطايا إلا الله؟ لماذا إلا الله؟
إليك بعض الأسباب:
1- لأن المغفرة تأتي من طبيعة قداسة الله المطلقة كما في (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 16) وفي (رسالة يوحنا الرسول الأولى 2: 12).
2- لأن المغفرة تأتي من طبيعة محبة الله المطلقة. كما ورد في العهد الجديد “الله محبة”.
3- لأن المحبة تأتي من نعمة الله المجانية الغنية: وهذا ما قاله بولس في رسالته إلى الكنيسة.
4-لأن المغفرة تأتي من قوة الله وسلطانه، كما ذكر ذلك لوقا في بشارته: “فلما رأى إيمانهم قال يسوع: أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك”. 5-لأن المغفرة تأتي من الله لمصالحة الإنسان مع الله القدوس نفسه. كما ذكر الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس 5: 19 “إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم”. 6-
شهادة المسيح عن نفسه. كما ورد في الحوار الجاري بين المسيح ورجال الدين اليهود الفريسيين في الإنجيل بحسب لوقا (5: 20-26): “فلما رأى إيمانهم قال أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك. فابتدأ الفريسيون والكتبة يفكرون قائلين: من هذا الذي يتكلم بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟ فشعر يسوع بأفكارهم وأجاب قائلاً: لكي تعلموا أن لابن الإنسان (أي المسيح ذاته) سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا”. 7- شهادة العديد من الرسل ومنها شهادة التلميذ الرسول يوحنا في رسالته الأولى (1: 9) حيث يقول: “إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل (أي المسيح) حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم”.
والخلاصة: بما أن الله وحده الذي له القدرة والسلطان أن يغفر الخطايا، والمسيح كان له هذا السلطان، إذاً فلا شك أن المسيح هو ذات الله في صورة إنسان.
سادساً:
البرهان السادس لأنه الشخص الوحيد الذي دعي بألقاب إلهية مجيدة. هذه الألقاب قد انطلقت من أفواه جميع طبقات البشر واعترافاتهم. وهي تعطينا دليلاً ساطعاً واضحاً عما كان وجرى في تلك العصور السالفة وإليك شيئاً منها:
1- شهادة النبي إشعياء في العهد القديم (قبل 750 سنة) حيث يقول “لأنه يولد لنا ولد و نعطى ابنا وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أبا أبدياً رئيس السلام”. 2-
شهادة المسيح عن نفسه وذلك بأنه:
- كلي القدرة والسلطان، كما ورد في إنجيل متى 28: 18 “فتقدم يسوع وكلمهم قائلاًً: دفع لي كل سلطان في السماء وعلى الأرض”. – كلي المعرفة، فلقد عرف المسيح تلاميذه قبل أن اختارهم كما جاء في الإنجيل بحسب يوحنا 1: 48.
وفي الإصحاح الحادي عشر عرف أن لعازر شقيق مريم قد مات. وقد تنبأ المسيح وعرف ماذا سيحدث له وما سيلاقيه من اضطهاد وعذاب بين الناس ومن ابتعاد تلاميذه عنه، كما تحدث عن موته وقيامته وصعوده إلى السماء ومن ثم عن مجيئه الثاني إلى العالم.
لقد كان عالِماً دقيقاً في تحليل النفوس البشرية و فهمها ودراستها ونقدها. وقد قال الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية 8: 29و30 “لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم والذين سبق فعينهم فهؤلاء بررهم ومجدهم أيضاً”. واعترف بولس مرة أخرى بعلم السيد المسيح وعمق معرفته فقال في رسالته إلى كولوسي 2: 3 “المدخر لنا فيه جميع كنوز المعرفة والعلم”.
- كلي الوجود، فقد قال المسيح عن نفسه في (الإنجيل بحسب متى 18: 20) “حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم”. ويذكر الإنجيل قصة نزول المسيح من السماء على تلاميذه الخائفين وهم قلقون في العلية حيث كانت الأبواب مغلقة، جاء يسوع ووقف في الوسط.
- أزلي الوجود وقد قال المسيح عن نفسه في الإنجيل بحسب يوحنا: 8: 58 “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”. وفي الإصحاح الأول، الآية الأولى يقول:”في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله”. كما قال بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين (9: 14) “المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب”.
- شهادة التلميذ توما المتشكك أمام التلاميذ كما وردت في الإنجيل بحسب يوحنا (20: 28) “ربي وإلهي”.
وهناك أكثر من مائة لقب أعطيت فقط للسيد المسيح كما وردت في العهدين القديم و الجديد مثل: “الله معنا -المخلص – الرب- كلمة الحياة – الفادي – البار – الخالق الأزلي – الكائن والذي كان والذي يكون – الديان للأحياء والأموات – البداية والنهاية – الله” – وغيرها.
الخلاصة: بما أن هذه الألقاب العظيمة الفائقة لا تعطى إلا للرب وحده فقط وقد أعطيت للسيد المسيح فيجب أن نسلم بديهيا أن المسيح هو الله نفسه في هيئة إنسان.
سابعاً:
بأن المسيح هو ذات الله لأنه كان يسجد له ولم يرفض هو هذا السجود من الناس له. وإليك ما يذكره الكتاب المقدس عن سر السجود للمسيح منذ ولادته وحتى صعوده:
1- سجد له حكماء المجوس القآدمين من الشرق في مكان ولادته المتواضع. كما ورد ذلك في الإنجيل بحسب متى (2: 11) حيث يقول: “فخروا وسجدوا له ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومراً”. 2- سجد له المرضى والبرص كما جاء في (الإنجيل حسب متى 8: 2) “وإذا أبرص قد جاء وسجد له قائلاً يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرني”. كما سجد له الأعمى قائلاً: “أؤمن يا سيد وسجد له”.
3- وسجد له التلاميذ بعد صعوده إلى السماء وظهوره لهم. كما ورد ذلك (في الإنجيل بحسب متى 28: 17) “ولما رأوه سجدوا له”.
4- سجدت له النساء كما جاء في (الإنجيل بحسب متى 15: 25) “فأتت امرأة وسجدت له قائلة يا سيد أَعِنِّي”. 5- سجد له الشيطان والأرواح الشريرة كما حدث ذلك في (الإنجيل بحسب مرقس 5: 1-7): “… إنسان به روح نجس. فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له”. 6- ستجثو له كل ركبة في السماء وعلى الأرض كما يصرح بهذا الرسول بولس في رسالته إلى أهل فيليبي (2: 9) “لذلك رفعه الله و أعطاه اسماً فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل إنسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب”. الخلاصة: نستنتج من هذه البراهين والأدلة الكتابية الصادقة أن المسيح كان يُسجَد له كالإله العظ